محاضرة سجلت على أمواج الإذاعة الجهوية بفاس في شهر دجنبر 2020،
وبثت في شهر يناير 2021 بحول الله
الدكتور عبد السلام رياح عضو المجلس العلمي المحلي بتازة
مآلات الولاية الإلهية
الحمد لله رب العالمين، المتفضل على عباده الصالحين بولايته التي من ظفر بها فقد فاز فوزا عظيما، القائل في محكم كتابه: «أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)». (يونس: 6- 64).
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا رسول الله.
وصلاته وسلامه على أشرف خلقه محمد بن عبد الله الرحمة المهداه، المبعوث رحمة للعالمين، المبشر السابقين بالخيرات، الباذلين المعروف في كل حال، المتقربين إلى الله بالنوافل آناء الليل وأطراف النهار بمعية الله تعالى، وبولايته التي تعصمهم من تبعات الدنيا والآخرة.
أيها المتابعون لإذاعة فاس الجهوية، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. نتشرف بالتقدم بين أيديكم الكريمة بالوقوف على حديث للنبي صلى الله عليه وسلم، يبين فيه المآلات التي يؤول إليها شأن من ظفر بولاية الله تعالى.
«عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ “»[1]. رواه البخاري، وابن حبان، والبيهقي.
ولكي نقف على الواجهات التي تتجلى من خلالها دلالة الحديث، فإننا نحب أن نقف على مفهوم الولي الوارد فيه والوارد في الآية قبله. وعنه قال أبو جعفر الطبري في تفسيره جامع البيان، حين وقوفه على قول الله تعالى: «أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)». (يونس: 6- 64).
يقول تعالى ذكره: ألا إن أنصار الله لا خوف عليهم في الآخرة من عقاب الله، لأن الله رضي عنهم فآمنهم من عقابه = ولا هم يحزنون على ما فاتهم من الدنيا. و”الأولياء” جمع “ولي”، وهو النصير. وأشار إلى أن أهل التأويل اختلفوا فيمن يستحق هذا الاسم.
فقال بعضهم: هم قومٌ يُذْكَرُ الله لرؤيتهم، لما عليهم من سيما الخير والإخبات. وقال آخرون إنهم أولو صفات متعددة تبني في الآخير حقيقتهم، واستدلوا على ما ذهبوا إليه بقول النبي صلى الله عليه وسلم، في ما رواه عنه أبو هريرة رضي الله عنه: إن من عباد الله عبادًا يغبطهم الأنبياء والشهداء! قيل: من هم يا رسول الله؟ فلعلنا نحبُّهم! قال: هم قوم تحابُّوا في الله من غير أموالٍ ولا أنساب، وجوههم من نور، على منابر من نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزِن الناس. وقرأ: (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون).
– وقال القشيري في لطائف الإشارات: الولىّ على وزن فعيل مبالغة من الفاعل، وهو من توالت طاعاته، من غير أن يتخللها عصيان، مردفا هذا بقوله: وكما أن النبيّ لا يكون إلا معصوما فالولىّ لا يكون إلا محفوظا. والفرق بين المحفوظ والمعصوم- كما يشير إلى ذلك- أن المعصومَ لا يلمّ بذنب البتّة، والمحفوظَ قد تحصل منه هنات، وقد يكون له- فى الندرة- زلّات، ولكن لا يكون له إصرار: «أولئك الذين يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ».
– وبعد هذا التحديد، نحب أن نقف على المآلات التي يؤول إليها أمر العبد الصالح لما يظفر بولاية الله تعالى في حديث النبي صلى الله عليه وسلم المذكور سلفا، فقد قال فيه ابن بطال في شرحه صحيح البخاري: «أن تتقرب إلى الله بالنوافل حتى تستحق المحبة منه تعالى ولا يكون ذلك إلا بغاية التواضع والتذلل له. وفيه أن النوافل إنما يزكو ثوابها عند الله لمن حافظ على فرائضه وأداها. ورأيت لبعض الناس أن معنى قوله تعالى: (فأكون عينيه اللتين يبصر بهما وأذنيه ويديه ورجليه) قال: وجه ذلك أنه لا يحرك جارحة من جوارحه إلا فى الله ولله، فجوارحه كلها تعمل بالحق، فمن كان كذلك لم تُردّ له دعوة.»
فحين تتحقق الولاية الإلهية لعباده الصالحين، يكون قد تحقق لهم الحفظ من كل جانب؛ فالسمع والبصر واليد والرجل والجوارح كلها محفوظة من لدن الله تعالى. وهي لا تتحرك إلا بالله وفي الله، فيكون الجسد كله يعمل بمعية الله سبحانه، فيؤول الأمر بعد ذلك إلى أن تكون الدعوة الصادرة عن العبد مستجابة، والتبتل إلى الله غير مردود. وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مراجع:
[1]– رواه البخاري في كتاب الرقاق، باب التواضع، رقم: 6502، 8/ 105، وابن حبان في كتاب البر والإحسان، ذِكْرُ الْإِخْبَارِ عَمَّا يَجِبُ عَلَى الْمَرْءِ مِنَ الثِّقَةِ بِاللَّهِ فِي أَحْوَالِهِ عِنْدَ قِيَامِهِ بِإتْيَانِ الْمَأْمُوراتِ، وانْزِعَاجِهِ عَنْ جَمِيعِ الْمَزْجُورَاتِ، رقم: 347، 2/ 58، والبيهقي في السنن الكبرى، في كتاب صلاة الاستسقاء، الْخُرُوجِ مِنَ الْمَظَالِمِ وَالتَّقَرُّبِ إِلَى اللهِ تَعَالَى بِالصَّدَقَةِ وَنَوَافِلِ الْخَيْرِ رَجَاءَ الْإِجَابَةِ، رقم: 6395، 3/ 482.