عبد السلام رياح

التعاطي للمخدرات آفة العصر القاتلة

بسم الله الرحمن الرحيم
التعاطي للمخدرات آفة العصر القاتلة
محاضرة لفائدة تلاميذ الثانوية التأهيلية العرفان- تازة
17/ 02/ 2023

الحمد لله رب الوجود، الباقي المدبر المعبود، من أسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، وآتانا عقولا نميز بها بين الخير والشر، ونستعملها في اختيار ما يعود علينا بالفضل العميم والعطاء الجسيم، وأمرنا ألا نهلك ما أسداه إلينا من عقول راجحة، وأفكار قادحة، فتضيع سدى وتذهب هباء منثورا، مصداقا لقول الله تعالى:

وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195).

وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

وصلاته وسلامه على أشرف خلقه محمد بن عبد الله الرحمة المهداة المبعوث رحمة للعالمين، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الغمة وهدانا بفضل الله تعالى إلى الصراط المستقيم.

أما بعد، فقبل أن نلقي كلمتنا، فإننا نتوجه بالشكر الجزيل إلى الطاقم الإداري للثانوية التأهيلية العرفان، على جهودهم الطيبة، ونشكر المجلس العلمي المحلي في شخص رئيسه على اجتهاد في إخراج هذه الأنشطة إخراجا موفقا.

إن محاضرتنا أيها الأحبة الكرام، ستتخذ التعاطي للمخدرات منطلقا، وإرشاد الشباب؛ ذكورا وإناثا، مبتغى وهدفا، بغية أن نصل من خلال مضامينها إلى ما يصلح مجتمعنا ويبني حاضرنا ومستقبلنا، ويحول بيننا وبين أن نتساقط في الطرقات، أو أن نفقد عقولنا فنفزع المارة، ونخيف الأهالي، ونفوت على المجتمع مصالح كان من الممكن أن يستفيدها منا، فلا نأتيه إلا بالمفاسد من كل فج عميق. وسنقف على النقط الآتية حتى تتبين لنا المخاطر الاجتماعية التي أومأنا إليها في ما مضى، وليكن ما نريد محددا في الآتي:

أولا: التعاطي للمخدرات نتاج من نتاجات التربية المختلة:

إن الظواهر الاجتماعية التي ينتج عنها التعاطي للمخدرات وإدمان المسكرات كثيرة كثرة لافتة؛ منها ما يعود إلى الأسرة وواقعها وحالها الذي تعيشه، سواء أكان طلاقا أم خللا تربويا يعانيه أحد الطرفين الأب أو الأم، فينعكس ذلك الوضع المختل على الحال الخلقية لهما، فينصرف أحدهما أو كلاهما لهذه المواد القاتلة، فيقع بصر ابنهما الصغير على ممارساتهما غير السوية، فتتهدم تلك الحواجز التي تحول بين الطفل وبين أن يرتمي في أحضان هذا الواقع المزري.

وفي مشهد آخر نرى الأب يوجه ابنه الصغير إلى بائع السجائر ليأتيه بعلبة السجائر أو بما هو أخطر منها، فيلمس الطفل العلبة بيده، ويراها بعينيه، ويشمها بأنفه، فتصير قريبة منه قربا يوطد العلاقة بينهما، وفي يوم من الأيام نرى الطفل قد وضعها في فمه، وتعاطى ما هو أخطر منها وأفظع.

إن هذين المشهدين يعدان البؤرة التي تتفرع عنها المشاهد الاجتماعية الأخرى؛ فالأطفال الصغار الذين يتدربون لدى الحرفيين يكونون ضحايا لما يكون من يعلمهم ساقطا في أحضان هذه المطبات المؤلمة. والشباب الذين يرتادون المقاهي التي يملأ دخان السجائر وغيره فضاءها، حتى يصير المرء كأنه في بحر لجي إذا أخرج يده لم يكد يراها بسبب تراكم الدخان. فمن أكثر من الترداد على هذه الأجواء والفضاءات لا بد له من أن يصير ضحية واقعا في براثن ما تحبل به. ومن شب على شيء شاب عليه.

ثانيا: انعكاسات التعاطي للمخدرات وخيمة تتجاوز الضحايا لتمس المجتمع كله:

انعكاسات هذه الآفة انعكاسات لا تتصور؛ فهي تتنوع تنوعا لافتا سنقتصر منها على ما يمس جسد الضحية وعقله وقيمته وجيبه وقوت أولاده، ولتظهر في صورة ما يؤذي المجتمع برمته. وسنقف على هذين المشهدين وقفة تخول لنا أن نتأمل في حقيقتهما، ونتدبر أمرهما تدبرا يفضي بنا إلى رسم المسار الصحيح الذي ينبغي أن نسلكه جميعا لكي نعبر بمجتمعنا إلى بر النجاة بحول الله تعالى.

إن التعاطي للمخدرات يكون سببا في انتشار الأمراض الخطيرة التي تنخر جسد الضحية، فيصاب بالسرطانات القاتلة التي تجهز على حياته، فتعجل وفاته، فينشأ أولاده يتامى؛ حيث لا راعي ولا معيل. (الأم والأولاد حين يسافر الأب المدخن).

إن عقل المتعاطي للمخدرات ليس مكونا من الحديد أو الفولاذ حتى يقاوم ما لا طاقة له به. ولقد تحدد موقع العقل في الدماغ. ومن مكونات الدماغ شعيرات دموية توصل المعلومات وتكون أصلا للسيالة العصبية التي يتحكم بها الدماغ في الجهاز العصبي الذي يتحرك الجسد بواسطته.

وحينما تكون طاقة المواد المخدرة تتجاوز طاقة الدماغ، فإنها تجثم عليه وتعطل وظائفه. ومن ثم، فإن مكونات الدماغ تتعطل شيئا فشيئا حتى إذا ضاعت كلها أو جلها، فإن المتعاطي يصبح فاقدا عقله؛ فيصير بين أفراد المجتمع ضحية منبوذا يفارقه أهله وخلانه، ويصبح قائما بسلوكات لا يقبلها عقل ولا يقرها تعامل إنساني.

ومن جانب آخر، فإن المتعاطي للمخدرات يفقد قيمته الاجتماعية فيمسها سوء لما يتناول ما يتناول، فيفقد عقله، ويقضي حاجته فيتبول ويتغوط على ملابسه، فيراه الناس جميعا، وتراهم يضحكون منه ويسخرون من تصرفاته.

وأما ما يصل إلى المجتمع من أذى يتأذى به بسبب التعاطي للمخدرات، فإن الصراخ الذي تسمعه من المتعاطي ليلا أو نهارا، فيقول ما لا ينبغي أن يقال، ويفزع الصغار والكبار، ولا سيما من كان من الأطفال والنساء، فيضيع الأمن وتغيب السكينة والهدوء والطمأنينة.

وأخطر مظهر تتجلى فيه مخاطر التعاطي للمخدرات ذلك المظهر الذي يتناول فيه المتعاطي ما يذهب عقله فيدخل بيته ويجد أمه أو أخته أو بنته. وهؤلاء جميعا من المحارم اللواتي لا يجيز الشرع الإسلامي لأحد بأن يقربهن فيعاشرهن معاشرة الأزواج، فيقع مخدرُ العقل على إحداهن وتكون الكارثة.

فإذا استفحل التعاطي للمخدرات بين أفراد المجتمع، فإن هذه الظواهر تهيمن على البلاد والعباد. وآنذاك، يصير المجتمع في مهب الريح.

ثالثا: ينبغي للحلول أن تتخذ التربية الصالحة منطلقا والتوجيه الرشيد آلية:

لا حل أمامنا لإصلاح أوضاعنا والابتعاد بمجتمعنا من أوضاعه التي يرتبط من خلالها بالتعاطي للمخدرات إلا أن نهتم بإصلاح أخلاق أولادنا وسلوكاتهم. والمدخل الطبيعي الذي يتحقق به هذا المراد هو توظيف التربية- وليس أي تربية- ولكن التربية الصالحة هي المقصودة في هذا السياق. فمن تلقى تربيته من بياجي أو من فرويد أو من جاك لاكان أو من جان جاك روسو أو من غيرهم، لن يحقق ما نريد تحقيقه.

إن التربية الصالحة هي التي يمكن أن تؤدي هذا الدور، فحين يتلقى المرء قول الله تعالى: وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)، فإنه يعلم علم اليقين بأن كل فعل يسبب هلاكا يعد حراما. 

وحينما يقرأ قوله سبحانه: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا. البقرة، فإنه يعلم أيضا أن الخمر والميسر يشتملان على إثم وعلى منافع. ولكن الإثم يفوق المنافع. ولا أحد من العقلاء يتشبث بشيء ضرره أكبر من نفعه.

وحينما يقرأ قوله الكريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91). المائدة، فإنه يفهم أن عبارة فاجتنبوه أمرا بالابتعاد عن الخمر وما يدخل في جنسها مما يسبب الكوارث للمقترف لها. وكذلك الشأن بالنسبة لعبارة: فهل أنتم منتهون.

* التربية اليونانية اهتمت بالعقل أكثر، والتربية الرومانية اهتمت بالجسد أكثر، والتربية المسيحية اهتمت بالروح أكثر. وتميزت التربية الإسلامية بشموليتها: العقل والجسم والروح.

أحبتنا. أبناءنا وبناتنا وفلذات أكبادنا. نرجو أن نكون قد بلغنا رسالة نافعة للمجتمع، دافعة المتعاطي للمخدرات ليراجع نفسه، فما يقدم عليه إنما هو انتحار بطئ لنفسه وإزهاق لروحه. وكل من كان لديه مبتلى من أقاربه؛ أبا أو أخا أو قريبا، فلينصحه وليبلغه ما سمعه، عسى أن ينفع الله تعالى بكلامه، ويجير المجتمع من ويلات هذه الآفة التي ابتلي بها كثير من الناس.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.