عبد السلام رياح

ثريا المسجد الأعظم بتازة؛ الدلالات الرمزية والأبعاد الجمالية

ثريا المسجد الأعظم بتازة
الدلالات الرمزية والأبعاد الجمالية
الدكتور عبد السلام رياح- أستاذ مُبرَّز-
أكاديمية فاس مكناس.

إن قراءة النصوص؛ شفوية أو مكتوبة، مهما عَسُرَت وأغرَقَت في الغُمُوض، فإنها تبقى أَيسَرَ من قراءة مُنجَزَات تاريخية تخلِّد حضورا لمن مرُّوا بمكان من الأماكن، وتَشهَد لهم بكونهم قد أَسهَموا بوجه من الأوجه في خدمة البشرية وإنارة طريقها.

إن ثريا المسجد الأعظم بمدينة تازة من هذا الطراز من النصوص التي ينبغي قراءتُها قراءةً تستجيب لما تقتضيه دلالاتُها الرمزية وأبعادُها الحضارية.

* فما الدلالات التي يحتضنها هذا الإنجاز التاريخي الذي يقاوم الدهُور، ويعلو على الزمن؟

* وما هي الأبعادُ الجماليةُ التي يمكن للمَرء أن يَجدَها فيه؟

لقد وقفتُ أمام ثريا المسجد الأعظم مرات كثيرة، وفي كل مرة كان يتبيَّن لي معنىً من المعاني التي لم تَلُح لي من قبل. إلا أنني حينما أكون صاحبَ بضاعة مُزجَاةٍ لا تتوفر على ما يعضِّدها من الشواهد التاريخية الداعمَة تجدُني في موقفٍ يضيقُ فيه صدرِي ولا ينطَلقُ لسَاني.

لقد اعتزمتُ خوضَ غِمَار البحث في أمر هذه الثريا منذ أمَد بعيد، ولكنني كنت كلما جمَّعتُ أمري للقيام به اعتَرَضَتنِي أمورٌ حتى قَيَّضَ الله لي ما فتَّق أفكارا، وأنار طريقا، فَلاحَ لي به ما لم يَلُح لي من قبل، وهو ما سنعلم نبأه بعد حين، ولكل أَجَلٍ كتَاب.

لقد وقف أناسٌ كثيرون بين يدي هذا الإنجاز التاريخي الهام الذي يضع أمره بين أيدي المهتمين متحدِّيا، ومرغِّبا، وداعيًّا إلى إعمال النظر وإرجاعه، لكنهم في كثير من الأحيان كانوا يقفون موقف من عَمِيَت عليهم الأنبَاء، فينظرُون إليه من طَرفٍ خَفِيٍّ، ليَعلموا ظاهرًا من أمره وتَخفَى عنهم حقائق كثيرة تمثل لمعَاتٍ خفيةَ الإيمَاء، تحتَاج إلى عَصْرِ سُلاَفَته ليجود ببعض ما يَكتَنزه من معانٍ ودلالات.

أ- الدلالات الرمزية:

تستوقفنا مجموعةُ أسئلة ونحن بصدد عرض الدلالات الرمزية لهذا الإنجاز التاريخي، فلماذا اختارَ المرينيون[i] الثريا ولم يختاروا غيرَها؟ وهل كانوا فعلا يستحضِرون دلالاتِها الرمزيةَ أم أن القراءةَ تُقَوِّلُهُم ما لم يَستَهدِفُوه؟

لقد كان المرينيون يستَهدِفُون من خلال صياغة الثريا بهذا الشكل المؤسَّس على عناصر بعينها خدمةَ مجموعة من الدلالات التي لا تُدرك إلا بعد تدبُّر لمثل هذا الإجراء، ولا تَظهَر، كما يظهر الصبحُ لذي عَينين، إلا بَعدَ دَعمِها بمجموعة معضِّدات تزكِّي القولَ ولا تَنفِيه، وتَدعَمه بالتنبيه على علاقتِه بغيرِه ولا تَخذُلُه في الميدان فتُولِّي مُعارضَه الأدبَار.

يحتاج الكشفُ عن هذه الدلالات إلى إزاحَة مجموعة من الطبقات الذهنية بغيةَ الوصُول إلى ملامح المراد؛ فالاستنطاقُ يقوم على الثريا باعتبارها نصًّا خاضعًا للقراءة التي لا تنطلق من حروف وكلمات، وإنما تنطلق من مادة النحاس وما حَام حولها، بغيةَ تبيُّن الخلفيات التي تحكَّمت في إنجاز أصحابها والمقاصد التي أرادوا الوصول إليها.

إننا نحب أن نقف على الدلالات الرمزية المشار إليها سَلفًا في الآتي:

1- الدلالةُ الدينيَّة:

لقد رأى بنو مرين في أنفسهم مُخلِّص الشعب المغربي على عهدهم من كلِّ الأوضاع التي كان يعيشُها مع مَن كان قبلَهم من دولة المُوحدِين؛ فإذا كانت مجموعةُ ممارساتٍ دينيةٍ قد ابتُدعت في عهد سَلفهم فهَيمَنَت على الحياة[ii]، فإنهم لمسُوا في أنفسهم القدرةَ على تخليص البلاد والعباد منها؛ ذلك لأنهم عدُّوا أنفسَهم- كما هو الشأن بالنسبة لكثير غيرهم- نورًا إلهيًّا يَهدي إلى طريق النجاة ويُخرج الرعَايا من الظلمات إلى النور ويَنفِي عنهم كل الضلالات.

ولذلك، فإن الأمر كان إضاءةً منهُم لجَنَبَاتِ الحياة الدينية وتنويرًا يقوم على فَهْم صحيح، ومن ثَم اتُّخذَت الثريا رمزًا لهذا الإجراء وملمحًا دالا على الخلفية المتحكمة فيهم لقصد إبداعها تحديدا؛ فالثريا «سُمِّيت بذلك لكثرة كواكبها مع صغر مرآتها، فكأنها كثيرة العدد بالإضافة إلى ضيق المحَلِّ»[iii]. وهي مَبعثُ نُور، واجتماعُ ضِياء، ومَشهَدُ جَمال، وفاصلٌ بين عَهدَين[iv]، فإذا كانت الأوضاعُ قبلَ المرينيين سيئةً سوءًا شديدًا مكَّنَهم من اقتحام المغرب لخَلائِه[v]، فإن الثريا اتُّخذت رمزا يَحمل البشرَى للرعايا بمستقبل حسن.

فإذا كان الأمر كذلك، فإن الثريا لم تُعلَّق في قصر مَشِيد أو مُتَنزَّه أخَّاذ، وإنما عُلِّقت في فضاء مكان مُقدس/ المسجد؛ تعبيرًا عن دلالتها الدينية، فطالمَا كانت «الثريا من السُّرُج على التشبيه بالثريا من النجوم»[vi]، وقد وَرد في القرآن الكريم قولُه تعالى: «وبالنَّجمِ هُم يَهتَدُون»[vii]، فقيل إن المراد بالنجم الذي يُهتَدى به بالليل في البَرَارِي والبحَار، النَّجمُ باعتباره جِنْسًا، وقِيل إنه الثريا[viii] التي يتحقق الاهتداء بها لدى «مَن يَهتَدي بجَميعِ النجُوم»[ix].

إن رمزيةَ الثريا لا تُبقينا في حدود أن نرى فيها علامةً يهتدي بها مَن يَسلُك مَسالكَ وَعرَةً قد يَتيهُ فيها، وإنما تَدفعُنا إلى أن نَنطلق من الواقع لنَتجاوزَه كما هو مُقرَّر في مَفهوم الرمز. ولذلك فإن الثريا تُكثِّف رمزيةَ الهداية التي يَنشدُها بنو مرين لأهل المغرب على عهدهم، صادرين مما يأتيه سلطانُهم[x] وما يَذَرُه؛ فطَالَمَا اعتُبر الرئيسُ «الفائقُ في التدبير نُورَ القوم، لأنهم يهتدون به في الأمور»[xi].

2- الدلالةُ السياسية:

إن الثريا مجمعُ نجوم، وإنها ذاتُ ضياء مُتميِّز، إلى جانب كونِها عاليةَ المِقدَار رفيعةَ المَوقع؛ فهي حينما تُتخذ وسيلةً من الوسائل التي يَتوجه إليها الساسةُ من أُولي الأمر، فإنها لن تَبقى في درجة كَونها وسيلةً تَزيِينيَّةً يُجمَّل بها المكان، وإنما ستكون، حتما، ذاتَ رمزية خاصة، تُقصد بها رؤيةٌ في الحياة، وتُلمِّح إلى هدَف سياسي مُحدَّد.

لقد قالوا في كثير من الأحيان: شَتانَ بين الثرى والثريا، مُشيرين بذلك إلى الفرق الواضح بين المواقع الهيِّنة المتواضِعة المقدار، وبين ما قابَلَهَا من الدرجات السَّامقَة والمراتب العالية. وإذا كانت الثريا دائما ذاتَ انتماءٍ عُلوي، فإنها حينما تُتَّخذ رمزا- كما تقرَّر قبل- فإنها ستكون مُحيلَة سياسيا على الرغبة في تحقيق مَجد يَجذِب الأنظار إليه، رامزةً إلى تأسيس مُلك يَلفِت انتباهَ كل مُهتم بسيرورة الحياة.

إن الثريا حينما يُنظر إليها بهذه الطريقة، فإنها ستُعبِّر حَتمًا عن عدم القناعَة بالدرجات الوضِيعة أو العادية التي كَثيرًا ما يَفرَح بتحقيقها كثيرون، ويَقنَع بها مَن لم يكونوا من أصحاب الهِمَم التوَّاقَة الناظرة إلى الأعالي؛ ذلك لأن بني مرين عُرفوا بعزائمهم القوية التي تَظهر في مواقف كثيرة، يَرد على رأسها الحرصُ على مجابهة الذين يقفون في طريقهم، وهو ما يلخِّصه ابنُ خلدون بقوله: إنهم كانوا «يُؤْثرون الجهاد، ويَسمُون إليه، وفي نفوسهم جنوحٌ إليه وصاغية»[xii]، كما يلخصها قولُ الشاعر[xiii]: (الطويل)

مَرِينُ جُنُودُ اللهِ أكبَرُ عُصبَة فَهم فِي بَنِي أَعصَارِهِم كَالمَوَاسِمِ
مُشَنَّفـَةٌ أَسمَاعُهُم بمَدَائِـحٍ مُسَوَّرَةٌ أَيمَـانُهُم بِالصَّــوَارِمِ

إن قوة العزيمة هذه كانت تفرض على السَّاسَة من بني مرين ألا يَركَنُوا لأن يكونَ إنجازُهم قولا خَطابيا فقط، وإنما حَرَصوا على أن يكون القولُ والفعلُ منسجمين فيما يذهبون إليه؛ ذلك لأنهم قومٌ لا يُحبُّون أن يُحمدُوا بما لم يَفعَلوا، فكأنهم يمثِّلون المشارَ إليهم بحديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ، أَوْ رَجُلٌ، مِنْ هَؤُلَاءِ»[xiv].

إننا نجد إلى جانب دلالة العزيمة القوية التي كان بنو مرين يتمتَّعون بها ويَحرِصُون على العيش في ظلالها، دلالةً أخرى تتمثل في إعلانهم من خلال الثريا عن الرغبة في صفاء السرائر، وعدم ركونها إلى الحسابات الضيقة الصغيرة[xv]؛ فصفاءُ السَّريرَة أساسٌ في تحقيق الطمأنينة. ونشرُ صفحات الطوية بوضوح وجلاء أمرٌ أساس في الإعلان عن المسالمة والمهادنة. ولذلك يكونون قد تَحَرَّوْا رَشَدًا حينما اختاروا الثريا مَبعثَ الضياء، وعارضةَ صفحَات الأشياء، وكاشفةَ الأدرَان، كما يَكشف بنو مرين صفحاتِ القلوب وطَوَايَا النفوس.

3- دلالةُ استشرَافِ المُستقبل:

إن استشراف المستقبل يقوم على مجموعة مُؤشِّراتٍ واقعيةٍ آنية تتحدد من خلالها ملامحُ المستقبل القريب والبعيد، ومن ثَمَّ كان اختيارُ الثريا بكيفيَّتها القوية، وصياغتِها من مادة تتحدَّى الزمان، داخلا بوجه من الأوجه في تخليد الذكرى لمن يأتي في المستقبل فيطَّلع على بعض إنجازات بني يعقوب.

إننا نرى في هذا الأمر لسانَ حالٍ يَنطقُ به لسانُ مقالٍ يستشهد لللاَّحق بإنجاز السَّابق، حَاثًّا إياه على الوقوف على مَفاخر الغَابرين، وهو يقول مع القائل[xvi]: (الكامل)

آثارُه تُنبِيك عن أوصَافِه حتى كأنك بالعِيــان ترَاه
تالله لا يأتي الزمانُ بمثلِه أبدًا، ولا يَحمِي الثُّغُورَ سِواه.

إن النظرة النفعية للإبداع تتخذ بعض تجلياتها في احتواء الأوضاع التي يتَّخذها الإبداع للاستفادة منها، لا من أجل أنها إبداع وفن- وهذا قد يكون متحقِّقا أحيانا– وإنما من أجل أنها تمثل قناةً من القَنَوَاتِ المهمَّة التي تُصرَّف من خلالها منظومةُ الأفكار؛ حيث كان الحرصُ ظاهرا على أن تخلَّد المآثر عبر التاريخ في اتجاه المستقبل.

لقد أُوتِيَ مبدعُ الثريا رُشدَه حينما اختارَ ما يَكتَنز هذه الدلالات الرمزية؛ دينًا وسياسةً واستشرافَ مستقبل، فيكون مؤدِّيا المرادَ خيرَ أداء، مُعبِّرا عن خَلفيات الرؤية أحسنَ تعبير، معتمدًا في ذلك مادةً تتحدَّى الزمنَ وتتجاوزُ صُرُوفَه، من أجل تخليد ذكرى تَعْرِضُ، بين يدي اللاحق، ملامحَ وجود السابق، وتُحيلُ على كثير من قَسمَات رؤيةِ من صنعُوا تاريخَ المغرب على عَهد بني يَعقوب.

ب- الأبعادُ الجَمَالية:

تدعو الثريا كلَّ الناظرين إلى تَمحِيصِ النظر في قسماتها وملامح جمالها، كما تدعوهم إلى تحقيق المتعَة في حُسنها الباهر؛ فهي ليست ممن يَحمِلُون جمالاً زائفًا، أو حُسنا ناقِصا، فيَستُرون نقائصَهم بإبداء الجميل من ملامحهم وإخفاء ما ليس كذلك منها، مُعلنَةً من خلال هذه الدعوة تحدِّيَها للعالمين.

 لقد أعلنت عن هذا الأمر صراحةً، فقالت: (البسيط)

يا ناظرًا في جَمالِي! حقِّقِ النظرَا ومتِّع الطرفَ في حُسني الذي بَهَرَا
أنا الثريا التـي تَازَا بي افتَخَرَت على البلاد، فمَا مِثلي الزمانَ يُرَى

مقيمةً تحدِّيَها على ثلاث دعائم نذكرها كما يلي:

* أولاها تتمثل في الدعوة إلى تحقيق النظر.

* وثانيتُها تتمثل في الإغراء بتمتيع الطرف.

* وثالثتُها تَظهر من خلال إعلانِها عن كونها مَفخَرةَ تازَة حين تَفَاخُر المدُن وتَغَايُرها.

إن الدعوة إلى تحقيق النظر هي في حقيقتها دعوة إلى تتبُّع الهَفَوَات والأخطاء الفَنية التي من المحتَمل أن يكون الفنانُ الذي أبدعَها قد وقَع فيها؛ فالتحدي ظاهر للعيان ظهورا واضحا، واليقينُ قائمٌ على كون الخلل لا يطرق أيَّ جانب من جوانبها.

ونظرا لكون الثريا تنطلق من اعتقاد راسخ بكونها أكبرَ من أن يتَسرَّبَ إلى جمالها خلل، أو أن يطرُق إبداعَها ضعف أو تَرهُّل، فإنها تدعو الناظر إلى تمتيع نظره بحسنها الباهر؛ ذلك لأنها تصدر عن يقين بكونه لن يجد إلا ما يحقق متعته، ولن يظفر إلا بكل بغية يفتقدها في كل ما عداها.

فإذا تحقق هذان الأمران تحقق بهما إنجاز عظيم، يمكِّن المدينةَ ومَن حولَها من امتلاك الوسيلة التي تَفتَخر بها على غيرها من المدن حين التفاخر، وتُقدِّمُها بين يدي نجواها حين التَّهَامُس بالمناقِب والفضائل.

إننا إذا اتخذنا استهلالَ ما تمدنا به القصيدة المنقوشة على حافة الثريا منطلقا، وانصرفنا عنه قليلا إلى قراءة الثريا باعتبارها إنجازا ماديا، فإننا نجدها ترسم أبعادا جمالية قلَّما تجتمع لإنجاز مادي يخلد ذكرى بعض من سجلوا حضورهم في التاريخ، وهي التي نريد عرضها في الآتي:

1- البعدُ التصاعديُّ من خلال وضع الثريا:

يميز “آرنهايم” بين الهيئة التي «تمثل الجوانب المكانية المتعلقة بالمظهر الخارجي للأشياء»[xvii]، وبين الشكل الذي يتمثل في «الهيئة مع إضافة المضمون والمعنى إليها»[xviii]؛ فإذا كانت هيئةُ الثريا ذاتَ قاعدة إلى أسفلَ ورأسٍ إلى أعلى، فإن تفريغَها يدعونا إلى تدبُّره والتفكر فيه. فلماذا فُرِّغَت بهذه الكَيفية؟ ولماذا كان رأسُها إلى أعلَى؟

إن أنواعا أخرى كثيرةً من بناتِ جنسِ هذه الثريا تتَّخذ هيئاتٍ مخالفةً لما اتخذته هذه لنفسها، وكان من الممكن أن تَسلُك، هذه، مسالكَ تخطيطية أخرى شائعةً بين الناس. إن كون قاعدةِ الثريا إلى أسفلَ ورأسِها إلى أعلى أمرٌ لن يُوضعَ عَبَثًا، ولن يكون قائمًا على الاتفاق غير الممثل لمقصد من المقاصد التي تتبنَّاها دولة بني مرين؛ فالإنجاز تحقق بأمر السلطان أبي يعقوب يوسف المريني، ومن هنا فهو إنجازٌ مُثقلٌ برؤيةِ الدولةِ وبحمُولة توجُّهها.

ولذلك، فإننا نرى في قاعدة الثريا منطلقا شَعبيًّا، يتبنَّى خدمةَ الشعب وينطلق من قضاياه من أجل الظفر بموقع السُّدة الراغبة في تحقيق الأفضل، المتوجِّهة بقصدٍ هادفٍ نحو المعالي التي لا تَقنَع بالقليل الهَيِّن، ولا تَركَن إلى الذليل من العيش.

وإذا كان هذا التوجهُ يُلمس من قاعدةِ الثريا، فإن رأسَها يُعبر تعبيرًا واضحا عن كون هذا المبتغى الطموح لن يتحقق من غير سدة حاكمة، تسوس الأمور وتوجهها نحو الأهداف الخادمة للبلاد والعباد؛ فالثريا من خلال شكلها تمثل بنية الدولة المرينية على عهد بني مرين أحسن تمثيل، فهي تبدو منطلقة من القاعدة الشعبية العريضة التي لا تستثني أحدا، معلنة عن طاعتها لأولي الأمر منها، راغبة في بلوغ الذرى من المجد الذي أضاعه بعض من كان قبلها، راكبة في كل ذلك الهِمَمَ العاليةَ التي لا تَكتَرثُ للصِّعاب.

2- البعدُ التناغميُّ من خلال مادة النحاس الخالص[xix]:

إن العناصر الداخلة في تشكيل بِنيةِ الثريا عناصرُ منسجمةٌ متناغمة، ليس منها ما أَدبَرَ أو تَوَلَّى عن الإسهام في تشكيل جمالية خاصة؛ فالمادة التي صيغت منها مادةٌ نحاسية خالصة، لا شَوائبَ فيها ولا دَخيل. وهي بصُفرتها الجميلة تزداد جمالا حين تبدو وقد أُوقِدَت السُّرُجُ الزيتيةُ المتلألِئَةُ التي تَعُم بضيائها المكان.

لقد كان من الممكن أن تكون المادة التي صيغت منها الثريا فِضِّيَّةً، ولن نعدم حينها جمالا ولا تلألؤا، إلا أنها لم تكن كذلك. فلماذا تم الاختيار بهذه الطريقة؟ ولماذا لم يُعدل عنه إلى غيره؟

إننا نرى أن الأمر في جملته عائد إلى الرغبة في تحقيق بُعد جَمالي من لدن الساسة المرينيين لا نعدم فيه دلالةً سياسية. إنه المتمثل في الانسجام الذي كان دَيْدَنَ سلاطين بني مرين؛ ذلك لأن الفضَّة إذا صيغت منها الثريا، فإن الضوءَ الذي تُصدره المصابيح الزيتية يكون منعكسا بقدر أكبر من طاقة آلة الرؤية عند المصلِّين، وآنذاك، حتى وإن تحقق الحُسنُ والجمال، فإننا لن نعدم معه ضررًا يَمسُّ الآخرين، وما كان ذلك مرادَ دولة بني مرين ولا مُبتغَاها.

لقد كانت مادةُ النحاس أفضلَ مادة تُصاغ منها الثريا؛ بحيث يتعاقدُ الجمالُ النحاسيُّ الخالصُ بصُفرته مع قُدسية المكان، فيبدُو وقد احتَضنَ كلَّ مَباعِثِ الأنوار، غيرَ مُفرِّق بينها ولا مُستصغِر إسهامَ أحدها، وتَبدو أضواءُ السُّرُج وقد تساقَطت على صَفحات الثريا سَيدةِ المكان تَساقُطَ طاعة وتَذلُّل وخُضوع، وتَبدُو ألسنةُ الأنوار وكأنها تصبُو إلى التعاقُد بالخناصر الذي لا يتحقق إلا هَمْسًا، متخذة السَّرمديَّةَ من أجل تحقيق ذلك مَركَبا، غيرَ مُنشغِلة بما يأتيه الآخرون وما يَذَرُونَه، ولا مُلقِية السمعَ إلى تَبتُّلاتِ المتبتِّلين وذكرِ الذاكرِين؛ فقد عَرفَت مَقصدَها فلَزِمَته، وحدَّدَت مُهمَّتَها فسَارَت نحوَها بإذعَان.

لقد تحقق الجمال… ويكون الظَّفَرُ كبيرًا حين تتحقق إلى جانبه مُقاوَمَةُ صُرُوفِ الدهر التي لا تَكترث لمُنجَز ولا تهتم لإبدَاع، وأفضلُ ما يحقق هذه البُغية هو مادةُ النحاس التي تَقفُ شامخةً في وجه كل النوائب، مُتحدِّيةً كلَّ ما يَطلُع به الزمانُ من نَكبَات، مُعلِنةً للعالمين أنها صاحبةُ القَول الفَصل، وكلُّ ما عدَاها ليس على شيء، كما هو الشأن بالنسبة لسَاسَة بني مرين في علاقتهم بمُناوِئِيهِم وكلِّ من يقف في طريقهم.

إن هذا التناغم والانسجام بين المكونات التي تتشكل من خلالها جمالية الثريا، نراه ملمحا من الملامح التي كانت تتميز بها الدولة المرينية؛ فقد كانت مُستهدفَةً توحيدَ الرُّقعَة الجُغرافية التي تَحكُمُها تحت راية واحدة، من أجل أن يتحقق من خلالها صفاءُ النوع الذي تَرمزُ إليه صياغةُ الثريا من النحاس الخالص؛ فقد كانت راكبة مسلكَ إخضاعِ تلمسانَ وبجايةَ وتونسَ لحُكمها[xx]، كما أن رايتَها امتدَّت لتُخضع أطرَافًا غيرَ يَسيرَة مما وراء بحر الروم من بلاد الأندلس، مما سيظهر بوضوح عند بعض من سيأتي من سلاطينها ممن تطلَّع إلى التدخل في الأندلس واحتلالها، وجعْلها إقليما مغربيا تابعا لدولة بني مرين؛ فقد «كان يُؤمِّل مُلكَ الأندلس»[xxi].

3- البعدُ الإبداعيُّ من خلال زخرفة النحاس:

يُصَرَّحُ في القصيدة على لسان الثريا أن الشكل الذي اتخذه هذا المنجز الإبداعي إنما كان قائما على أمر السلطان، مُؤسَّسًا على مَشيئَته: (البسيط)

أُفرِغْتُ في قَالَب الحُسن البَديع كمَاشاءَ الأميرُ أبو يَعقوبَ، إذ أَمَرَا

ولذلك، فإن الأبعاد الإبداعية لعملية الزخرفة ينبغي أن تكون على صلة بمن شاء لها أن تكون كما هي؛ فإذا كان السلطان المريني هو من أمر بتفريغها على الصورة التي هي عليها، بغية الوصول بها إلى حالة الحسن والجمال التي تظهر بها للعيان، فإن الآمر يعرض حاله في صورة من جمع فأوعى حتى كأنه لا يفوته شيء من أصناف المعرفة؛ ذلك لأن أهليته ليست قائمة على التدبير السياسي فحسب، وإنما هي شاملة لأمور أخرى قد يعجز عن البراعة فيها من تخصص فيها.

إن التصريح في القصيدة قد يكون غير راكن إلى الحقيقة الواقعية، ولكن الذي يُحرص عليه حرصًا ينبغي أن يتجلَّى من خلاله، إنما يتحدَّد في إظهار السلطان المريني بمظهَر من لا يَفوتُه تنظيرٌ ولا تَطبيق، فترى الحِرفِيِّين المتخصِّصِين يتسَابَقُون إلى الالتزام بما أشار به؛ ذلك لأن العِلمَ والعملَ لديه ينصَهران انصهَارًا كلِّيًّا يمثِّل مَحمَدةً لا تَبلُغُها المحَامِد.

لقد ظهر أن ملامح الرؤية هذه تتخذ تجلياتٍ وصورًا شتَّى وهي في حقيقتها في حُكم الفَرد؛ فما تَجده في الدلالة الدينية تجدُه في غيرها من الدلالات، وما تجده مؤسِّسا بعداً معينًا من الأبعاد الجمالية، تجده قد اتَّخذ تجليا ذا قَسَمَات أخرى في بُعد آخر، مُسهما في تكثيف الرؤية السياسية الحاكمة وإبدائها في معرضٍ لا تَنَافُرَ بين مُكونَاته ولا تَدَابُرَ بين عناصره.

هكذا، نكون قد كشَفنا النِّقابَ عن كثير من ملامح الرؤية التي تحكَّمت في مبدع الثريا، فلاحَت في صورة دلالاتٍ رمزيةٍ وأبعادٍ جمالية، ترَاكَمَت تراكمًا لافتًا، بعد أن توضَّحَت للعِيان في سُفور، من خلال العَرض الذي بينَ أيدينا، وتَسَتَّرَتْ عن الأنظار من خلال كونها عنصرا من العناصر التَّزيينيَّة المسهِمَة في جماليةِ المسجد الأعظم بتازة، فنرجو أن نكون قد وفقنا في ذلك.

ملاحق ومراجع وهوامش:

القصيدة المنقوشة على الثريا

يَا نَاظرًا في جَمَالِي حَقِّـقِ النَّظَرَا! وَمَتِّعِ الطَّرْفَ فِي حُسْنِي الـذِي بَهَرَا
أَنَا الثُّرَيَّـا التي تَـازَا بِي افْتَخَرَتْ عَلى البِلادِ، فمَا مِثلِي الزَّمَـانَ يُرَى
أُفْرِغْتُ في قَالَبِ الحُسْنِ البَدِيعِ كَمَـا شَـاءَ الأَمِيرُ أَبُـو يَعْقُـوبَ إِذْ أَمَرَا
فِي مَسجدٍ جَامِـعٍ لِلنَّـاسِ أَبدَعَـهُ مَلِـكٌ أَقَـامَ بِعَـوْنِ اللَّـهِ مُنْتَصِرَا
لـهُ اعْتِنـَاءٌ بِدِيـنِ اللـهِ يُظْهِرُهُ يَرجُـو بهِ في جِنَانِ الخُلْدِ مَا ادَّخَرَا
في عَـام أَربعَـةٍ تِسعُـونَ تَتْبَعُهَا مِن بَعدِ سِتٍّ مِنَ المِئِينَ قَدْ سُطِرَا
تَاريخُ هَـذِي الثُّرَيَّـا وَالدُّعَا لِأَبِي يَعقُوبَ بالنَّصْرِ دَأْبًا يَصْحَبُ الظَّفَرَا
لاَ زَالَ يُوسُـفُ وَالأَمْلَاكُ تَخْدُمُهُ تَعْنُـو لِعِـزِّ عُـلَاهُ أَنْفُـسُ الْأُمَرَا

[i]– بنو مرين فخذ من زناتة، أنشؤوا دولة على أنقاض دولة الموحدين بالمغرب في أواخر القرن السابع الهجري، كان لهم أثر ظاهر في تثبيت معالم الإسلام بالأندلس؛ فقد كانوا لها خير معين كما يقول المقري، اتسعت دولتهم لتشمل دولة الحفصيين بتونس ودولة بني زيان بتلمسان، خلفهم بنو وطاس. انظر تاريخ ابن خلدون، ضبط الأستاذ خليل شحاذة، مراجعة سهيل زكار، دار الفكر، ط1، 1401هـ، 1981م، 7/78 وما بعدها، وروضة النسرين في دولة بني مرين لإسماعيل بن الأحمر، تحقيق عبد الوهاب بن منصور، المطبعة الملكية، الرباط، 1411هـ، 1991م، 17 وما بعدها.

[ii]– يظهر ذلك من مجموعة ممارسات سادت الحياة على عهد الموحدين، كما يظهر من شهادة خلفهم على من تقدمهم من أسلافهم، في مثل قول المأمون الموحدي الذي  دخل «حضرة مراكش، وبايعه الموحدون، وصعد المنبر بجامع المنصور(…) ولعن المهدي على المنبر، وقال: لا تدعوه بالمهدي المعصوم وادعوه بالغوي المذموم(…) وقال: كل ما فعله المهدي وتابعه عليه أسلافنا فهو بدعة ولا سبيل إلى إبقائه، وأبدأ في ذلك وأعاد». (ينظر: الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، أبو العباس أحمد بن خالد الناصري، تحقيق جعفر الناصري ومحمد الناصري، دار الكتاب، الدار البيضاء، ط1، 1997م، 1/ 238).

[iii]– لسان العرب لابن منظور، دار صادر، بيروت، 1412هـ، 1992م، مادة: “ث، ر، ا”.

[iv]– نتبين كون الثريا فاصلا بين عهدين من خلال الحديث النبوي الشريف الذي يرويه عبد الله بْنُ عُمَرَ عَنْ نَهي رَسُول اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تَذْهَبَ الْعَاهَةُ، فسئل ابن عمر: «وَمَا تَذْهَبُ الْعَاهَةُ؟ مَا الْعَاهَةُ؟ قَالَ طُلُوعُ الثُّرَيَّا». رواه أحمد، 9/ 55.

[v]– الاستقصا، 1/ 226.

[vi]– لسان العرب، مادة: “ث، ر، ا”.

[vii]– النحل، 16.

[viii]– تفسير البيضاوي، تحقيق عبد القادر عرفات العشا حسونة، دار الفكر، بيروت، من غير رقم للطبعة، 1416هـ- 1996م، 3/ 309. وانظر الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، تحقيق أحمد عبد العليم البردوني، دار الشعب، القاهرة، ط2، 1372هـ، 10/91.

[ix]– الجامع لأحكام القرآن، 10/ 92، والقول منسوب لابن العربي.

[x]– نقصد به هنا أبا يعقوب يوسف بن يعقوب بن عبد الحق المريني (640- 706هـ)، كان فارسا شجاعا صارما مهيب السلطان، وكان عادلا، أضاف إلى المسجد الأعظم بتازة إضافات، وأبدعَ ثُرَيَّاهُ موضوعَ الدرْس. روضة النسرين في دولة بني مرين، 30.

[xi]– تفسير البيضاوي، 4/ 187.

[xii]– تاريخ ابن خلدون، 7/252.

[xiii]– الذخيرة السنية في تاريخ الدولة المرينية، علي بن أبي زرع الفاسي، دار المنصور، الرباط، 1972هـ، 141.

[xiv]– رواه البخاري في كتاب تَفْسِيرِ القُرْآنِ، باب قَوْلِهِ: ﴿وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ﴾ (الجمعة: 3)، رقم: 4897، 6/ 151، ومسلم في كتاب فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، بَاب فَضْلِ فَارِسَ، رقم: 2546، 4/ 1972، والترمذي في تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَاب: وَمِنْ سُورَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رقم: 3261، 5/ 384، وأحمد، 15/ 237.

[xv]– قد نجد لدى بعض سلاطين بني مرين ما يخالف ما نذهب إليه الآن، إلا أن الذي يهمنا هو الفترة التي أبدعت فيها الثريا، والتي كانت راسمة ملامح رؤيتهم في التعامل مع رعاياهم ومع الآخرين.

[xvi]– المعجب في تلخيص أخبار المغرب، عبد الواحد المراكشي، تحقيق محمد سعيد العريان ومحمد العربي العلمي، مطبعة الاستقامة، القاهرة، ط1، 1368هـ، 1/ 202- 203.

[xvii] – Arnheim, R(1974), Art and visual perception: a psychology of the creative eye. Berkeley, univ, of California, Press, 65.

 نقلا عن التفضيل الجمالي، دراسة في سيكولوجية التذوق الفني، شاكر عبد الحميد، عالم المعرفة، ع267، مارس 2001، ص: 256.

[xviii]– المرجع نفسه.

[xix] – يذكر الناصري أنه في سنة 693هـ «فرَغ السلطان يوسف من بناء جامع تازا، وعلقت به الثريا الكبرى من النحاس الخالص وزنها اثنان وثلاثون قنطارا» الاستقصا، 1/ 75- 76.

[xx]– ينظر: مآثر الإنافة في معالم الخلافة، أحمد القلقشندي، تحقيق عبد الستار أحمد فراج، مطبعة حكومة الكويت، الكويت، ط2، 1985م، 2/ 153؛ حيث يقول: «وكانت تونس وسائر بلاد أفريقية وبجاية من المغرب الأوسط بيد السلطان المتوكل على الله أبى يحيى بن أبى بكر إبراهيم، فتوفى في رجب سنة سبع وأربعين وسبع مائة، وملك بعده ابنه أبو حفص بنِ أبى بكر بعهد من أبيه، فبقي حتى قصده السلطان أبو الحسن المرينى في سنة ثمان وأربعين وسبع مائة، وملك بجاية، وقسنطينة، وقُتل أبوحفص بنُ أبى بكر في جربة بتونس، واستضافها إلى مملكته بالمغرب الأقصى، وكمل له بذلك ملك جميع المغرب(…) وكانت تلمسان بيد السلطان أبى الحسن المرينى».

إلا أن دولة المرينيين، حتى وإن كانت هذه رغبتَها، فإن رياح ضعفها كانت، أحيانا، تجري بما لا تشتهيه سُفُنُها؛ فقد صارت خاضعة لدولة بني الأحمر على عهد الغني بالله الذي «كانت له في الجهاد مواقف مشهورة، وامتد مُلكُه، واشتد، حتى محَا دولةَ سلاطين فاس ممَّا وراءَ البحر». (نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب للمقري، تحقيق إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 1408هـ- 1988م، 1/452).

[xxi]– تاريخ ابن خلدون،7/402. والمقصود بالحديث هنا هو أبو عنان المريني.

[1]- بنو مرين فخذ من زناتة، أنشؤوا دولة على أنقاض دولة الموحدين بالمغرب في أواخر القرن السابع الهجري، كان لهم أثر ظاهر في تثبيت معالم الإسلام بالأندلس؛ فقد كانوا لها خير معين كما يقول المقري، اتسعت دولتهم لتشمل دولة الحفصيين بتونس ودولة بني زيان بتلمسان، خلفهم بنو وطاس. انظر تاريخ ابن خلدون، ضبط الأستاذ خليل شحاذة، مراجعة سهيل زكار، دار الفكر، ط1، 1401هـ، 1981م، 7/78 وما بعدها، وروضة النسرين في دولة بني مرين لإسماعيل بن الأحمر، تحقيق عبد الوهاب بن منصور، المطبعة الملكية، الرباط، 1411هـ، 1991م، 17 وما بعدها.

[1]- يظهر ذلك من مجموعة ممارسات سادت الحياة على عهد الموحدين، كما يظهر من شهادة خلفهم على من تقدمهم من أسلافهم، في مثل قول المأمون الموحدي الذي  دخل «حضرة مراكش، وبايعه الموحدون، وصعد المنبر بجامع المنصور(…) ولعن المهدي على المنبر، وقال: لا تدعوه بالمهدي المعصوم وادعوه بالغوي المذموم(…) وقال: كل ما فعله المهدي وتابعه عليه أسلافنا فهو بدعة ولا سبيل إلى إبقائه، وأبدأ في ذلك وأعاد». (ينظر: الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، أبو العباس أحمد بن خالد الناصري، تحقيق جعفر الناصري ومحمد الناصري، دار الكتاب، الدار البيضاء، ط1، 1997م، 1/ 238).

[1]- لسان العرب لابن منظور، دار صادر، بيروت، 1412هـ، 1992م، مادة: “ث، ر، ا”.

[1]- نتبين كون الثريا فاصلا بين عهدين من خلال الحديث النبوي الشريف الذي يرويه عبد الله بْنُ عُمَرَ عَنْ نَهي رَسُول اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تَذْهَبَ الْعَاهَةُ، فسئل ابن عمر: «وَمَا تَذْهَبُ الْعَاهَةُ؟ مَا الْعَاهَةُ؟ قَالَ طُلُوعُ الثُّرَيَّا». رواه أحمد، 9/ 55.

[1]- الاستقصا، 1/ 226.

[1]- لسان العرب، مادة: “ث، ر، ا”.

[1]- النحل، 16.

[1]- تفسير البيضاوي، تحقيق عبد القادر عرفات العشا حسونة، دار الفكر، بيروت، من غير رقم للطبعة، 1416هـ- 1996م، 3/ 309. وانظر الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، تحقيق أحمد عبد العليم البردوني، دار الشعب، القاهرة، ط2، 1372هـ، 10/91.

[1]- الجامع لأحكام القرآن، 10/ 92، والقول منسوب لابن العربي.

[1]- نقصد به هنا أبا يعقوب يوسف بن يعقوب بن عبد الحق المريني (640- 706هـ)، كان فارسا شجاعا صارما مهيب السلطان، وكان عادلا، أضاف إلى المسجد الأعظم بتازة إضافات، وأبدعَ ثُرَيَّاهُ موضوعَ الدرْس. روضة النسرين في دولة بني مرين، 30.

[1]- تفسير البيضاوي، 4/ 187.

[1]- تاريخ ابن خلدون، 7/252.

[1]- الذخيرة السنية في تاريخ الدولة المرينية، علي بن أبي زرع الفاسي، دار المنصور، الرباط، 1972هـ، 141.

[1]- رواه البخاري في كتاب تَفْسِيرِ القُرْآنِ، باب قَوْلِهِ: ﴿وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ﴾ (الجمعة: 3)، رقم: 4897، 6/ 151، ومسلم في كتاب فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، بَاب فَضْلِ فَارِسَ، رقم: 2546، 4/ 1972، والترمذي في تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَاب: وَمِنْ سُورَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رقم: 3261، 5/ 384، وأحمد، 15/ 237.

[1]- قد نجد لدى بعض سلاطين بني مرين ما يخالف ما نذهب إليه الآن، إلا أن الذي يهمنا هو الفترة التي أبدعت فيها الثريا، والتي كانت راسمة ملامح رؤيتهم في التعامل مع رعاياهم ومع الآخرين.

[1]- المعجب في تلخيص أخبار المغرب، عبد الواحد المراكشي، تحقيق محمد سعيد العريان ومحمد العربي العلمي، مطبعة الاستقامة، القاهرة، ط1، 1368هـ، 1/ 202- 203.

[1] – Arnheim, R(1974), Art and visual perception: a psychology of the creative eye. Berkeley, univ, of California, Press, 65.

 نقلا عن التفضيل الجمالي، دراسة في سيكولوجية التذوق الفني، شاكر عبد الحميد، عالم المعرفة، ع267، مارس 2001، ص: 256.

[1]- المرجع نفسه.

[1] – يذكر الناصري أنه في سنة 693هـ «فرَغ السلطان يوسف من بناء جامع تازا، وعلقت به الثريا الكبرى من النحاس الخالص وزنها اثنان وثلاثون قنطارا» الاستقصا، 1/ 75- 76.

[1]- ينظر: مآثر الإنافة في معالم الخلافة، أحمد القلقشندي، تحقيق عبد الستار أحمد فراج، مطبعة حكومة الكويت، الكويت، ط2، 1985م، 2/ 153؛ حيث يقول: «وكانت تونس وسائر بلاد أفريقية وبجاية من المغرب الأوسط بيد السلطان المتوكل على الله أبى يحيى بن أبى بكر إبراهيم، فتوفى في رجب سنة سبع وأربعين وسبع مائة، وملك بعده ابنه أبو حفص بنِ أبى بكر بعهد من أبيه، فبقي حتى قصده السلطان أبو الحسن المرينى في سنة ثمان وأربعين وسبع مائة، وملك بجاية، وقسنطينة، وقُتل أبوحفص بنُ أبى بكر في جربة بتونس، واستضافها إلى مملكته بالمغرب الأقصى، وكمل له بذلك ملك جميع المغرب(…) وكانت تلمسان بيد السلطان أبى الحسن المرينى».

إلا أن دولة المرينيين، حتى وإن كانت هذه رغبتَها، فإن رياح ضعفها كانت، أحيانا، تجري بما لا تشتهيه سُفُنُها؛ فقد صارت خاضعة لدولة بني الأحمر على عهد الغني بالله الذي «كانت له في الجهاد مواقف مشهورة، وامتد مُلكُه، واشتد، حتى محَا دولةَ سلاطين فاس ممَّا وراءَ البحر». (نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب للمقري، تحقيق إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 1408هـ- 1988م، 1/452). [1]- تاريخ ابن خلدون،7/402. والمقصود بالحديث هنا هو أبو عنان المريني.