عبد السلام رياح

ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان

محاضرة سجلت على أمواج الإذاعة الجهوية بفاس في شهر دجنبر 2020،

وبثت في شهر يناير 2021 بحول الله

الدكتور عبد السلام رياح عضو المجلس العلمي المحلي بتازة

ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان

الحمد لله رب العالمين، هادي المهتدين، الكريم البر المتفضل المتعال، القائل في محكم كتابه: «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)». (آل عمران: 31). وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا رسول الله. وصلاته وسلامه على أشرف خلقه محمد بن عبد الله الرحمة المهداه، المبعوث رحمة للعالمين.

أيها المتابعون لإذاعة فاس الجهوية، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. نتشرف بالتقدم بين أيديكم الكريمة بالوقوف على حديث للنبي صلى الله عليه وسلم، يبين فيه المداخل الأساس التي تكسب إيماننا نكهة خاصة، وتمنحه حلاوة متميزة.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم، في ما رواه عنه أنس بن مالك رضي الله عنه، «”ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ» 1 . رواه البخاري في كتاب الإيمان،، باب حلاوة الإيمان، رقم: 16/ 1/ 12، ومسلم في الإيمان باب بيان خصالٍ مَن اتَّصف بهن وجد حلاوة الإيمان رقم 43.

إن لهذا الحديث درجة عظيمة؛ فقد قال عنه الإمام النووي في شرحه صحيح مسلم بأنه «حَدِيثٌ عَظِيمٌ، أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الْإِسْلَامِ» 2 . وقد دعم بدر الدين العيني هذا القول بقوله: «كَيفَ لَا، وَفِيه محبَّةُ الله وَرَسُولِه الَّتِي هِيَ أصلُ الْإِيمَان بل عينُه، وَلَا تصح محبَّةُ الله وَرَسُولِه حَقِيقَةً، وَلَا حبٌّ لغير الله وَلَا كَرَاهَةُ الرُّجُوع فِي الْكفْر إلاَّ لمن قويَ الْإِيمَانُ فِي نَفسه وانشرح لَهُ صَدرُه وخالطَه دَمُه ولحمُه، وَهَذَا هُوَ الَّذِي وجدَ حلاوتَه، وَالْحبُّ فِي الله من ثَمَرَات الْحبّ لله» 3 .
«معنى وجودِ حلاوة الإيمان هو استلذاذُ الطاعات وتحمُّلُ المشقات فيما يرضى اللهَ تعالى، ورسولَه (صلى الله عليه وسلم) ، وإيثارَ ذلك على عرض الدنيا، رغبةً فى نعيم الآخرة، الذى لا يَبيد ولا يَفنى» 4 .

وقد قسم علماء الإسلام المحبة إلى «أقسام ثلاثة: محبةِ إجلال وعظمةٍ كمحبةِ الوالد، ومحبةِ شفقةٍ ورحمةٍ كمحبة الولد، ومحبةِ استحسانٍ ومشاكلةٍ كمحبةِ سائر الناس» 5 .
«وَقَالَ بَعضهم: الْمحبَّة مواطأة الْقلب على مَا يُرْضِي الرب سُبْحَانَهُ، فيحب مَا أحبَّ وَيكرهُ مَا يكره» 6 . وقد «قَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ: الْمَحَبَّةُ فِي اللَّهِ مِنْ وَاجِبَاتِ الْإِسْلَامِ» 7 .
إن نظرة فاحصة في هذا الحديث النبوي الشريف، لتبين أنه يتأسس على ثلاثة أركان؛ ركن يتعلق بمحبة الله تعالى ومحبة رسوله، وركن ثان يختص بمحبة الناس، وركن أخير يتمثل في كراهة الكفر والعودة إليه. وسنقف عليها واحدا واحدا في الفقرات الآتية:


إن محبة العبد لخالقه هى التزام طاعته والانتهاء عن معاصيه لقوله تعالى: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللهُ) [آل عمران: 31]. وكل ما عدا هذا إنما يكون ادعاء. وقد قال الشاعر القديم: تعصَى الإلهَ وأنت تُظهر حبَّه هذا لعمرى فى القياس بديعُ لو كان حبًا صادقًا لأطَعتَه إن المحبَّ لمن يُحبُّ مُطيعُ «وكذلك محبة رسول الله هى التزام شريعته واتباع طاعته، ولما لم نصل إلى الإيمان إلا بالرسول، كانت محبته من الإيمان» 8 ، حسب عبارة ابن بطال في شرحه صحيح البخاري. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم، في ما رواه عنه أبو هُرَيْرَةَ، أنه قال: «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» 9 .


وقد ورد في الحديث قوله (صلى الله عليه وسلم): أن يحب المرء لا يحبه إلا لله «وَمِن محبتِه ومحبةِ رَسُولِه محبَّةُ أهلِ مِلَّتِه، فَلَا تحصلُ حلاوةُ الْإِيمَان إلاَّ أَن تَكون خَالِصَةً لله تَعَالَى، غيرَ مَشوبَةٍ بالأغراض الدُّنْيَوِيَّة وَلَا الحظوظ البشرية، فَإِن من أحبَّ لذَلِك انْقَطَعت تِلْكَ الْمحبَّةُ عِنْد انْقِطَاع سَببهَا» 10 . وقد قالوا: ما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل. أن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يلقى في النار: فقد سَوَّى الحديث «بَيْنَ كَرَاهِيَةِ الْكُفْرِ وَكَرَاهِيَةِ دُخُولِ النَّارِ» 11 . لأن الكفر موصل إليها، ولأن المنطلق إذا كان مفضيا إلى نتيجة غير محمودة، فإنه يصير مكروها غير مقبول كما تكون النتيجة كذلك.

الحكمة:
أيها الأحبة الكرام. لقد تسائل العلماء قديما عن «الْحِكْمَة فِي كَون حلاوة الْإِيمَان فِي هَذِه الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة؟ وَأجِيب: بِأَن هَذِه الْأُمُور الثَّلَاثَة هِيَ عنوان كَمَال الْإِيمَان المحصِّل لتِلْك اللذة» 12 . وتلك اللذة لا تتحقق إلا لمن عمر قلبه بحب ربه وحب نبيه، وجرد محبته للآخرين من الأهداف الدنيوية والأغراض الزائلة وأقبل على إيمانه يعض عليه بالنواجد ويخشى غائلة الكفر المفضية إلى الجحيم. عافانا الله وإياكم، والسلام عليكم ورحمة الله.

مراجع:
1 – رواه البخاري في كتاب الإيمان،، باب حلاوة الإيمان، رقم: 16/ 1/ 12، ومسلم في الإيمان باب بيان خصال من اتصف
بهن وجد حلاوة الإيمان رقم 43.
2 – شرح النووي على مسلم، 2/ 13
3 – عمدة القاري، شرح صحيح البخاري، 1/ 148.
4 – شرح صحيح البخاري لابن بطال، 1/ 65
5 – شرح صحيح البخاري لابن بطال، 1/ 66
6 – عمدة القاري، شرح صحيح البخاري، 1/ 149
7 – شرح النووي على مسلم، 2/ 14
8 – شرح صحيح البخاري لابن بطال، 1/ 66
9 – شرح صحيح البخاري لابن بطال، 1/ 65
10 – عمدة القاري، شرح صحيح البخاري، 1/ 149
11 – فتح الباري، شرح صحيح البخاري، لابن حجر، 12/ 316
12 – عمدة القاري، شرح صحيح البخاري، 1/ 149